قصة مشرف مقال بقلم د. راغب السرجاني، يتناول فيه علاقات برويز مشرف مع أمريكا وأثرها على طالبان وكشمير، ومواقف الشعب الباكستاني وثورته على برويز مشرف
ملخص المقال
ما ظننتم أن يخرجوا مقال بقلم د. راغب السرجاني، يربط فيه بين خروج اليهود المخزي من لبنان وبين إجلاء الرسول ليهود بني النضير من المدينة المنورة
ما كان أغلب طرفَي الصراع يظن أن يقع ما وقع.. تمامًا كما حكى الله تعالى عن معركة قديمة وقعت بين أهل الحق.. بقيادة سيِّد الخلق صلى الله عليه وسلم وبين أهل الباطل – ممثَّلين في يهود بني النضير -..
فلقد أفصح بنو النضير عن غدرهم في أوائل العام الرابع الهجري (شهر ربيع الأول)مستغلِّين ظروفًا حرجةً، أضعفت – إلى حدٍّ ما – قوة المسلمين وهيبتهم، فما كان منهم (اتباعًا لنهج الغدر الذي لا يتخلَّف عن سلوكهم) إلا أن عزموا على قتل رسول الله r رغم ما بينهم وبينه من العهد والأمان.. ولما أطْلع الله رسوله على غدرهم.. نبذ إليهم عهدهم؛ فلا قيمة لعهد لا يحترمه أطرافه، ولا جدوى من سلام ينتهكه بعض من أبرموه كلما واتتهم الفرصة..
وأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب على بني النضير، وأمر المسلمين بحصارهم؛ حفظًا لكرامة الأمة من أن يجترئ عليها عدوُّها حين يظن منها الضعف.. مع أن الفجوة العسكرية والماديَّة بين المسلمين واليهود كانت هائلة لصالح اليهود، وما كانت حقائق هذه الفجوة غائبة عن المسلمين، بل إن الشكوك كانت تساورهم في أن يتمكَّنوا من إخراج بني النضير (وهو الهدف الذي أعلنه رسول الله r لحملته عليهم).. وقد وصفت الآيات الكريمة من أوائل سورة الحشر شكوك المؤمنين في إخراج اليهود.. قال تعالى: "ما ظننتم أن يخرجوا..!!".
على أن هذا الظن الذي ظنَّه المسلمون لم يمنعهم من حسن الأخذ بأسباب النصر، والتي يأتي على رأسها:
حسن الإيمان بالله، وعمق الصلة به.. اللذين تجسَّدا – مثلاً – في طاعة الأمر النبوي بالخروج إلى القتال برغم تفوُّق العدو..
وإلى جانب الإيمان بالله فقد ظهرت وحدة الصف التي تُعدُّ ثاني أدوات القوة بعد الإيمان.. والتي لم يشذَّ عنها إلا المنافقون الذين سنرى – في مقال قادم – كيف ارتموا مباشرة في أحضان العدو، وعاهدوهم على النصرة ضد المسلمين!!..
ويأتي بعد الإيمان ووحدة الصف حُسن الاستعداد والأخذ بالأسباب.. وقد ظهر ذلك في غزوة بني النضير حين استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح الحرب النفسيَّة؛ فأمر بتقطيع النخيل الذي يمتلكه اليهود؛ إضعافًا لمعنويَّاتهم، وخزيًا لهم.. وقد وصف رب العالمين أثر ذلك على نفوسهم، وما لحقهم من خزي.. قال تعالى: "مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ".
وكما ظن المؤمنون ألَّن يخرج اليهود، فقد ظنَّ اليهود أيضًا أن قوَّتهم ستحميهم، وأن حصونهم مانعتهم من الله.. وهذا شأن أهل الباطل المنقطعين عن الله والإيمان به.. يحسبون قوَّتهم شيئًا، وما هي إلا كبيت العنكبوت "وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون!!".
اغترَّ اليهود – إذًا – بحصونهم، فجاءهم الله من جهة لم يُحصِّنوها، ولم يَحتسبوا أن يُهزَموا من قِبَلِها.. أتاهم الله من جهة قلوبهم الخربة.. "وقذف في قلوبهم الرعب!!" وانهار "جيش الدفاع اليهودي" في بني النضير!!.. وطلبوا التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يُؤَمِّن خروجهم من المدينة، وأخذوا "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ..." تلك البيوت التي حصَّنوها طويلاً؛ حتى ظنُّوها مانعَتَهُم من الله!!..
إن الله ناصرٌ دينه بأسلحته هو – سبحانه -، وبجنوده الذين لا يعلمهم إلا هو.. ومن بين جنود الله "الرعب!!".. الذي نصَر الله به نبيَّه r في مواطن كثيرة، والذي ينصر الله به – وبغيره – كل من سار على نهج نبيِّه r في حسن الصلة بالله، وتوحيد الصفوف، واستكمال العُدَّة "قدر الاستطاعة".
ما شهدته ساحات الجهاد في لبنان وفلسطين في الأسابيع الماضية يؤكد هذا المعنى؛ فمنذ بدء المعارك والشهادات اليهوديَّة تتوالى مؤكِّدة براعة المقاومة الإسلامية، والدهشة البالغة من كفاءتها القتاليَّة.. يشهد بذلك (على سبيل المثال) الجنرال اليهودي "عامي إيالون" الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات (الشاباك)، وقائد البحريَّة السابق، فيعترف بالتفوُّق الذي حققه المجاهدون في عمليَّتَي المقاومة في فلسطين ولبنان، واللتان أسفر عنهما أسر ثلاثة من جنود الصهاينة.. ويقول: إنها من نوع عمليَّات الكوماندوز الخطيرة، وأنه كعسكريٍّ مُخَضْرَم كان سيشعر (بالفخر!!) لو أنه هو الذي قادها!!!...
هذه شهادة مبكِّرة صدرت في أوائل المعارك الضارية، تُظْهِر انقلابًا هائلاً في موازين القوة.. حيث يشهد جنرال في الجيش الذي "لا يُقْهَر!!" بالتفوُّق لجنود جماعات مقاومة محدودة القوة جدًّا، بل ومُحاصرة من جميع الجهات... ولن يتَّسع المقال لعرض كل ما نقلته وسائل الإعلام بعد وقف المعارك في لبنان من هلع جنود اليهود وبكائهم، وتفجُّر الوضع الداخلي في دولة العدو سياسيًّا وعسكريًّا؛ كردِّ فعل للهزيمة التي مُنُوا بها، واعترف بها رؤساؤهم.
وعلى الرغم من حجم الدهشة مما أسفرت عنه الحرب الأخيرة إلا أن الله عزَّ وجَلَّ في كتابه – في سياق الحديث عن إجلاء بني النضير – يوضِّح ما تزول به الدهشة.. حين يقول سبحانه: "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ.." فهو صاحب المعركة، ومُدَبِّر شأنها كلِّه.. وهو على كل شيء قدير.. وبيده قلوب العباد، وجنود السموات والأرض.. وما على المؤمنين الصادقين إلا أن يُحسنوا الإيمان بهذه الحقائق، ويتوكَّلوا على ربِّهم في جهاد عدُوِّهم؛ فقد أثبتت المعركة الأخيرة إمكانيَّة هزيمته.. حين سقط من جنوده وشعبه 156 قتيلاً، ولاذ مليونا شخص بالملاجئ شهرًا كاملاً.. بينما نزح أكثر من ثلاثمائة ألف آخرين من مدنهم الشماليَّة هلعًا من صواريخ حزب الله.. هذا فضلاً عن خسائر المعدَّات من طائرات حربيَّة، وعشرات الدبابات (الميركافا).. إلى جانب ملايين الدولارات التي كان الاقتصاد اليهودي ينزفها يومِيًّا من جرَّاء الحرب!!
وما أحوجنا – في الختام - إلى تدبُّر التعليق القرآني على قصَّة إجلاء بني النضير في ختام الآية التي عرضت هزيمتهم.. حيث يقول رب العالمين سبحانه: "يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ.."
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار
التعليقات
إرسال تعليقك