بين الجهاد والعمل الصالح مقال بقلم د. راغب السرجاني، يبين فيه أن استغلال أيام العشر الأول من ذي الحجة فرصة لمن لم يستطع الحج أو الجهاد في سبيل الله
ملخص المقال
قصة مشرف مقال بقلم د. راغب السرجاني، يتناول فيه علاقات برويز مشرف مع أمريكا وأثرها على طالبان وكشمير، ومواقف الشعب الباكستاني وثورته على برويز مشرف
قام برويز مشرف بالانقلاب على رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، وأرسله إلى المنفى، وتفرَّد بحكم باكستان
صار نظام مشرف هو رأس الحربة في الحرب الأمريكية على أفغانستان؛ وذلك عندما أبدى برويز مشرف موافقته على مطالب أميركا بالسماح لها باستخدام الأراضي الباكستانية لضرب حركة طالبان التي رفضت تسليم ابن لادن بعد اتهام أميركا له بتفجيرات نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001م. وبينما كان الشعب الباكستاني، والعالم الإسلامي كافَّة ينتظر من الرئيس الباكستاني موقفًا صلبًا تجاه العدوان الأمريكي المزمع على أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م؛ إذا بمشرَّف يُبدي تخاذلاً غير مسبوق، وانقلابًا في المواقف السياسية جعله يقف في صف أمريكا ضد أفغانستان، ونظام طالبان الذي كان مشرف – كما ذكرنا – أشدَّ مناصريه، وانضمت باكستان للتحالف الدولي القادم برئاسة أمريكا للعدوان والتخريب، واحتلال أفغانستان؛ كمقدمة لاحتلال العالم الإسلامي عسكريًّا وسياسيًّا، ونهب خيراته اقتصاديًّا.
وقد أدَّى دعم مشرف للحرب الأميركية على أفغانستان إلى تحالف ستة أحزاب إسلامية باكستانية في حزب واحد معارض باسم مجلس العمل الموحد.
ورغم العداء التاريخي المستحكم بين الهند وباكستان إلا أنه وفقًا للنظام الأمريكي العالمي الجديد، ورغم عدم تقدم الهند
![]() |
بأية بادرة لحل مشكلة كشمير المتنازع عليها بينها وبين باكستان؛ صافح مشرف رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي في 5 من يناير 2002م، وذلك في ختام خطابٍ ألقاه أمام قمة رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك) قال فيه: إنه يمد "يد الصداقة إلى رئيس وزراء الهند". وتأتي هذه المصافحة عقب استبعاد فاجبايي عقد أي لقاء رسمي منفرد مع الرئيس الباكستاني إثر الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي في 13 من ديسمبر 2001م، واتهمت باكستان بالوقوف وراءه.
وفي 25من نوفمبر 2003م أُعلِن وقف القتال عبر الحدود بين الهند وباكستان، وهو أول وقف للنار كامل ورسمي بين البلدين منذ العام 1989م، ويأتي توقيع الهدنة بين جيشي البلدين بمبادرة من مشرف.
وكانت تلك المواقف علامة فارقة في تاريخ الصراع الهندي الباكستاني؛ إذ دشَّنت مرحلة جديدة انحسر فيها الدور الإقليمي لباكستان لحساب الهند، والتفت الرئيس الباكستاني للتضييق على حريات شعبه؛ من أجل أن يعيش في السلطة فترةً أطول مستعينًا بالأمريكان؛ ففي 29 من ديسمبر 2002م أقرَّ البرلمان الباكستاني تعديلات دستورية تعطي صلاحيات واسعة لمشرف بما في ذلك سلطة إقالة الحكومة المنتخبة، وفقًا لاتفاق كان قد وقعه مشرف مع أحزاب المعارضة الإسلامية يتخلَّى بموجبه عن قيادة الجيش مع نهاية العام 2004م مقابل تمرير التعديلات؛ وذلك حتى يعود الحكم مدنيًّا، ولكن مشرف الذي عشق السلطة نكث بوعده ولم ينفذ الاتفاق، واحتفظ بالقيادتين: العسكرية والسياسية مشكِّلاً إحدى الديكتاتوريات الكبرى التابعة لأمريكا في العالم الإسلامي، كما أن مشرف قد غيَّر بتصرفه ذلك قواعد النظام السياسي الباكستاني الذي كان برلمانيًّا يعطي السلطة الأكبر لرئيس الوزراء؛ فحوَّله مشرف إلى نظام رئاسي يخضع الجميع فيه لسلطة رئيس الجمهورية.
وعلى صعيد آخر، وفي محاولة لإثبات الولاء لأمريكا قام مشرف بمصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق المجرم
![]() |
أرييل شارون على هامش القمة العالمية للأمم المتحدة في 14 من سبتمبر 2005م، وهو أول رئيس باكستاني يصافح مسئولاً صهيونيا.
كانت كل تصرفات مشرف تصيب الشارع الباكستاني بالصدمة، وتدفعه للثورة عليه، وقد ظلَّ المِرجل يغلي، ومشرف ينفخ في النار حتى جاء عام 2007م، وحاول مشرف تطويق القضاء الباكستاني النزيه المتمثل في قوة المحكمة العليا التي كانت تعارض قراراته الديكتاتورية، وتقضي بعدم دستوريتها؛ فقام بإقالة القاضي افتخار تشودري رئيس المحكمة العليا في التاسع من مارس 2007م، إلا أن قضاة المحكمة قرروا في العشرين من يوليو من العام نفسه - في حكم وُصِف بالتاريخي- إعادة القاضي افتخار تشودري إلى منصبه رئيسًا للمحكمة, وإسقاط المتابعات القضائية التي فتحتها الحكومة في حقه بتهم الفساد، وكانت تلك صفعة لمشرف لم ينسها للقضاة، ولا لرئيسهم.
اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الباكستانية في عام 2007م، وبينما كان الدستور الباكستاني يمنع مشرف من إعادة الترشح لها مع احتفاظه بمنصب قائد الجيش، ثارت قطاعات عديدة من الشعب الباكستاني ضد محاولة مشرف الترشح للانتخابات مطلقًا؛ فحاول مشرف الالتفاف على الحركة الجماهيرية الرافضة له؛ فعقد اجتماعات سرية مع خصومه السابقين كرئيسة الوزراء السابقة زعيمة حزب الشعب المعارض المقيمة بالمنفى بينظير بوتو المتهمة بالفساد، وذلك في يوليو 2007م.
ولما لم تفلح تلك المحاولات، وتصاعدت مطالب الشعب والسياسيين بعدم ترشح مشرف للرئاسة؛ قامت اللجنة الانتخابية في باكستان الموالية لمشرف بتعديل قانون الانتخابات بحيث يسمح لمشرف بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية مع الاحتفاظ بمنصبه قائدًا للجيش, فيما اعتبرته المعارضة "خرقًا فاضحًا" للدستور، فقدم 85 نائبًا باكستانيًّا من المعارضة استقالتهم من البرلمان احتجاجًا على قبول اللجنة الانتخابية أوراق ترشح مشرف لدورة رئاسية جديدة؛ وذلك في أوائل شهر أكتوبر 2007م، وقبل الانتخابات الرئاسية بأيام قليلة. كما قامت مظاهرات ضخمة، خاصةً من جانب المحامين الباكستانيين؛ فألقت قوات الأمن القبض عليهم، واعتقلت العديدين منهم، إلا أن قاضي المحكمة العليا افتخار تشودري - وفي تحدٍّ واضح لسلطات الرئيس الباكستاني - أمر بإطلاق سراح أكثر من مائة معارض اعتقلتهم السلطات الباكستانية لاشتراكهم بتلك المظاهرات.
لم ينس مشرف للمحكمة العليا ورئيسها مواقفهم ضد ديكتاتوريته؛ لذا قام بعزل جميع قضاة المحكمة، وتحديد إقامتهم في
![]() |
منازلهم، وعلى رأسهم رئيس المحكمة افتخار تشودري، وقام بتعيين عدد من القضاة الفاسدين الموالين له، والذين قاموا برفض جميع الطعون الدستورية التي قُدِّمت ضد ترشحه للرئاسة.
وفي السادس من أكتوبر أعلنت اللجنة الانتخابية الباكستانية انتخاب مشرف رئيسًا للبلاد لولاية دستورية ثانية لمدة خمس سنوات؛ وذلك من خلال تصويت مجلس النواب الذي يسيطر مشرف على الأغلبية فيه.
وفي الثالث من نوفمبر قام مشرف بفرض حالة الطوارئ في البلاد؛ وذلك إثر تصاعد الاحتجاجات ضده، كما أصدر منتصف الشهر قرارًا بحل البرلمان مع انتهاء فترة ولايته القانونية.
ولقد قام مشرف بالاستقالة من قيادة الجيش؛ خضوعًا للضغوط الداخلية، ومظاهرات المعارضة، وطوائف المجتمع، وقام بتسليم القيادة للجنرال إشفاق كياني في 28 من نوفمبر 2007م، وقد وعد برفع حالة الطوارئ قريبًا، كما وعد بإجراء انتخابات تشريعية في شهر يناير من عام 2008م.
ولكن هل يكون تنازل مشرف عن قيادة الجيش بداية استقرار لباكستان، أم يكون في ذلك نهايته السياسية على يد انقلاب مماثل لما قام به قبل ذلك؟ وهل ما زال مشرف ورقة رابحة للأمريكان، أم سيتخلون عنه، ويتركونه لانتقام شعبه، كشأنهم دائمًا مع من يخدمونهم على حساب شعوبهم؟ هذا ما ستجيب عنه الأشهر القادمة بإذن الله. نسأل الله عز وجل أن يحفظ باكستان وشعبها، وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق أهلها لاستغلال قوة بلادهم لصالح الإسلام والمسلمين.
التعليقات
إرسال تعليقك