حوار مع المؤرخ الدكتور علي الصلابي حول التاريخ الإسلامي، مؤكدا أنه لن تحدث نهضة للأمة إلا إذا تمايزت الأمور
ملخص المقال
أيقن نور الدين محمود بأن العقيدة التي تصلح لجمع شتات المسلمين هي ما كان منبعها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
جاءت جهود نور الدين محمود -رحمه الله- تالية لجهود المدارس النظامية، فانتفع بما حققته من نتائج، وفي مقدمتها تخريج جيل يحمل على عاتقه مهمة الدعوة للمذهب السني، والانتصار له.
وقد استفاد نور الدين من عدد كبير ممن تخرجوا من النظاميات، واستطاع نور الدين أن يستغل بذكاء مواهب العلماء البارزين في عصره، ويستعين بهم في دعم المذهب السني، وكانت شخصيته من أهم العوامل التي ساعدته على النجاح في المهمة التي سعى لتحقيقها، فمن أبرز صفاته أنه كان يثق بالعلماء ثقة مطلقة، ولا يسمح لأحد أن يتناول واحدًا منهم بمقالة سوء، فازدادت منزلة العلماء سموًّا، وأصبحوا محل ثقة جمهور المسلمين وتقديرهم.
كما كان يحرص على حضور مجلس العلم كلما سمحت له ظروفه بهذا، ويواظب على عقد مجالس الوعظ، ويستمع -مع الناس- للحافظ ابن عساكر ولقطب الدين النيسابوري، وغيرهما من الوافدين على دمشق من أنحاء العالم الإسلامي.
كان نور الدين كقائد سياسي وعسكري على قناعة راسخة بالخطورة العظيمة التي يمثلها المد الشيعي الرافضي في سبيل نهوض الأمة والاستمرار في مقاومة الصليبيين؛ ولذلك جعل من أهدافه القضاء على الدولة الفاطمية التي ترعى الفكر الشيعي الرافضي، والعمل على التصدي لدعاة التشيع الرافضي بالفكر، والعلم، والثقافة، والسياسة، والقوة.
وقد كان سلوك نور الدين محمود زنكي من عوامل انتصار المذهب السني؛ لأن أبرز ما كان يتبجح به الشيعة في الدعوة إلى مذهبهم هو التنديد بمسلك حكام السنة المنغمسين في ترفهم، اللاهين في ملاذهم وشهواتهم، الغارفين في مظالمهم، وكانت النغمة السائدة لدى دعاتهم: أن الإمام المهدي (القائم أو الغائب) سيملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جورًا، يستدرجون بهذا المحرومين والمسحوقين حتى يجذبوهم إلى صفوفهم، ويدخلوهم في دعوتهم، فجاء نور الدين يدعم المذهب السني بأخلاقه وسلوكه، وحسن سياسته في رعيته، ثم بجهوده الفكرية الرائعة.
إن نور الدين محمود أيقن بأن العقيدة التي تصلح لجمع شتات المسلمين هي ما كان منبعها كتاب الله وسنة رسوله، ويمكن التدليل على كل أصل من أصولها أو جزئية من جزئياتها، ثم إن السلف الصالح الذين استقاموا على عقيدة الإسلام الحق دوَّنوا هذه العقيدة تدوينًا ميزها عن عقائد أهل الفرق والضلال، فلذلك عمل على معرفتها وتعليمها وتربية الناس عليها من خلال جهاز العلماء في الدولة؛ فالطريق للنهوض لا بد فيه من وحدة الصف، ووحدة الصف ليس لها من سبيل إلاّ الإسلام الصحيح، والإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة، والطريق لفهم القرآن والسنة هي طريق رسول الله r وأصحابه الكرام، والتابعين بإحسان، ومن سار على نهجهم وطريقتهم إلى يوم الدين.
قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، فوعد من اتبع غير سبيلهم بعذاب جهنم، ووعد متّبعهم بالجنة والرضوان.
وقال رسول الله r: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته". وعن ابن مسعود t قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم". وعنه t: من كان متأسيًا فليتأسّ بأصحاب رسول الله؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالاً. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.
ولذلك حرص الملك العادل على بناء دولة العقيدة على أصول منهج أهل السنة والجماعة.
د. علي الصلابي
المصدر: موقع الإسلام اليوم.
التعليقات
إرسال تعليقك