قصة مشرف مقال بقلم د. راغب السرجاني، يتناول فيه علاقات برويز مشرف مع أمريكا وأثرها على طالبان وكشمير، ومواقف الشعب الباكستاني وثورته على برويز مشرف
ملخص المقال
الصومال إلى أين مقال بقلم د. راغب السرجاني، يضع فيه أيدينا على أسباب مأساة الصومال، وطرق حل مشكلات الصومال، فما هي؟
تحدثنا في المقالين السابقين عن الصومال، مبينين تاريخه مع الاحتلال، وأهم القوى السياسية والعسكرية به، ورأينا الدور الذي لعبته المحاكم العسكرية في إقرار الأمن بالصومال بعد سنوات دامية عاشها الصوماليون.
ورأينا حرص إثيوبيا والولايات المتحدة على تبديد ذلك الأمان، والقضاء على الاستقرار الذي وفرته المحاكم الإسلامية، من أجل مصالحها في الصومال مستخدمة في ذلك أعوانها من أمراء الحرب السابقين.
ومن ثَمَّ أمامنا وقفة لابد أن نقفها لندرك الأسباب التي أوصلت الصومال إلى هذا الوضع المتدهور.
1ـ انعزال الصومال عن محيطها العربي:
يُعَدُّ الصومال إحدى الدول الأعضاء بالجامعة العربية، ومع ذلك فلم يكن للجامعة دور يُذكَر منذ نشأتها في تحقيق استقلال الصومال، ولا معاونته على التخلص من الحكم الاستبدادي لسياد برِّي.. وعندما دخلت قوات الولايات المتحدة لاحتلال الصومال تحت مظلة الأمم المتحدة عام 1992م، وقفت الجامعة العربية موقف المتفرج من الأحداث.
وليس أدلَّ على ذلك الانعزال - الذي يقابله إهمال وتخاذل عربي - من أنه بالرغم من اهتمام القمة العربية ـ المنعقدة في بيروت في مارس 2002م ـ بقضية الصومال، واعتمادها مبلغ 56 مليون دولار لدعم جهود المصالحة هناك، ثم تأكيد هذا الأمر في اجتماع اللجنة المكلَّفة بمتابعة الوضع في الصومال على مستوى المندوبين الدائمين (11 دولة)، بل واعتمادها تعيين مبعوث خاص للأمين العام للجامعة لمتابعة الملف الصومالي؛ فإن الاعتمادات المالية لم يصل منها شيء للحكومة الصومالية!
ولم يكن هذا بالشيء الجديد على الدول العربية، فقد تعطَّل مؤتمر (بيداوا) للمصالحة الوطنية بسبب عدم توافر الدعم المالي لعقد المؤتمر، والذي بلغ 5.4 مليون دولار آنذاك، لولا تعهد قطر وليبيا - بصورة منفردة - بتوفير هذا المبلغ.
والمثير للدهشة بل للاستنكار أن الدول العربية لم تكتفِ بإهمال الصومال وعدم مساعدته، بل قامت بخنقه اقتصاديًّا، فأوقفت دول الخليج الصادرات الصومالية إليها، وطبَّقت عدة دول عربية حظرًا تجاريًا أسفر عن خسارة الصومال لمئةٍ وسبعين مليون دولار كانت كفيلة - لو توافرت - بأن يعيش شعب الصومال ظروفًا أفضل.
إذن فقد بلغت حالة الانعزال عن المحيط العربي أَوْجَها، ومن ثَمَّ يصبح الحديث عن تحقيق التقارب - فضلاً عن الاندماج والوحدة - بين الصومال والعالم العربي بعيدًا جدًا، وهذا في الواقع هو حقيقة الموقف العربي بأكمله، فالعالم العربي كله ممزَّق ومنقسم على نفسه، ولا يستطيع التوحُّد في الوقت الحالي، ففضلاً عن اختلاف وتضاد مصالح الحكام، هناك حالة لا مبالاة كبيرة بين الشعوب بشأن حال الأمة، فإذا كان الحكام قد أهملوا الصومال، فإنَّ الشعوب قد أهملت دورها أيضًا في الضغط على الحكام ليتخذوا مواقف إيجابية نحو إخوانهم المسلمين المعذَّبين!!
إنَّ الوحدة العربية والإسلامية مرتبطة بيقظة مجموع الأمة - وليس الحكام فقط - ، وسعيها في تحقيق الوحدة. وهذه اليقظة تبدأ من أول مستوى يهم المسلم، وهو صلة الرَّحِم؛ فإن المسلم الذي لا يهتم بصلة الرحم، ولا يهتم بحال جيرانه في المسكن لا يمكن أن يهتم بأحوال المسلمين في بقاع الأرض، حيث لا يراهم ولا يدري بمعاناتهم.
2ـ انتشار الجهل:
نظرًا لطول فترة الاحتلال الأجنبي للصومال، الذي تلاه حكم ديكتاتوري في عهد سياد بري، ثم تلته الفوضى الضاربة في البلد حتى الآن؛ نظرًا لكل ذلك؛ فقد ضربت الأمِّيَّة أطناب ذلك البلد المسكين حتى بلغت نسبتها 75% من عدد السكان، وهي نسبة رهيبة تعبِّر بصدقٍ عن حال ذلك البلد المنكوب بالجهل والتخلف، وبسبب انتشار الأمية، وضعف المستوى العلمي في الصومال يلجأ مَن يريد الدراسة مِن أبنائه إلى الخارج، وفي الغالب لا يعودون بعد استكمال دراستهم؛ فيظل التخلف العلمي كما هو.
3ـ التمزق:
عانى الصومال كثيرًا تحت الاحتلال، ولم يكن ذلك كافيًا في نظر المحتلين حتى سلَّموا البلاد إلى ديكتاتور يحكم بالحديد والنار. في ذات الوقت كانت أثيوبيا وكينيا ـ وهما من دول الجوار ـ قد اقتطعتا إقليمين من أقاليم الصومال، وهما: إقليم (أوجادين) لأثيوبيا، وإقليم (النفد) لكينيا، وصارت كلُّ منهما ذات نفوذ في البلد المنكوب، وخاصة إثيوبيا التي لها أعوان من الحكومة الحالية التي كانت معارضة لنظام سياد بري، وبعد سقوط نظام سياد بري تنفَّس الصوماليون الصَّعَداء، وظنوا أنهم مقبلون على عهدٍ من الاستقرار ظلوا يحلمون به عقودًا، ولكن هيهات.. فإنَّ ثمار النظم الديكتاتورية مُرَّة، وقد أثمرت انشقاقاتٍ، ومحاولات للاستقلال عن الصومال، فنشأت (بونت لاند) و(جمهورية أرض الصومال)، وأقامت الأولى ـ كما يقال ـ علاقاتٍ مع إسرائيل، وأصبحت مقديشيو العاصمة تمثل ما تبقى من الصومال الأم.
يعتمد حل مشكلات الصومال على محاور عدة فمن جهة يكمن الحل في تنشيط الشعور بالأخوَّة الإسلامية على كافة المستويات والأصعدة بدءًا من الأهل والأرحام مرورًا بالجيران في السكن والوطن، وانتهاءً بالشعوب الإسلامية في كل مكان. أما أزمة الجهل والأمية فلا حَلَّ لها إلا بتولي نظام حكم مخلص يعمل على إخراج الصومال من أزمته، ويوفر حالة من الاستقرار؛ تُمَكِّن طيور الصومال المهاجرة من العودة للقيام بواجبها نحو بلدها، والأخذ بيده في طريق النهضة.
وفيما يتعلَّق بالتمزق فلن يخرج الصومال من هذا النفق المظلم إلا عندما يُعلِي الجميع المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة، ويتم توحيد الصومال مرةً أخرى تحت نظام حُكمٍ وطني حُر، يجمع شتات الصوماليين، ويعمل على استعادة أراضيه المسلوبة، ويجتهد في رفع المعاناة عن كاهل الشعب الصومالي، ووقتها سيكون الصومال إضافة حقيقية للعالم العربي والإسلامي، وتشرق شمس الاستقرار فوقه بعد طول غياب.
التعليقات
إرسال تعليقك