ما زال الشارع الإيراني يغلي حنقا من تمديد عمر النظام أربع سنوات أخرى، ولكي يذر هذا النظام الرماد في العيون لجأ إلى خدعة إعادة فرز الأصوات
ملخص المقال
الاضطرابات العنيفة في شوارع طهران وكبريات المدن الإيرانية تتجاوز الاعتراض على نتائج الانتخابات لتكون أول احتجاج عميق على النظام السياسي
الاضطرابات العنيفة في شوارع طهران وكبريات المدن الإيرانية، التي اندلعت فور إعلان السلطات الرسمية فوز محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية، تتجاوز الاعتراض على نتائج الانتخابات، لتكون أول احتجاج عميق على النظام السياسي المسيطر على أعناق الناس منذ ثلاثين عامًا، الأمر الذي كشفه بقوة فشل أبرز مرشح إصلاحي (مير حسين موسوي) في إقناع الساخطين بالعودة إلى بيوتهم؛ لأن تحركهم أصبح في مواجهة السلطة المطلقة التي يمثلها على خامنئي "المرشد الأعلى للثورة"!! فقد بات جليًّا أن الجموع الغاضبة انتهزت الفرصة للتعبير عن استيائها من الأوضاع العامة سياسيًّا واقتصاديًّا وليست معنيَّة بموسوي أو غيره إلا بمقدار ما يتيحه لها من استغلاله كواجهة واستثمار الحدث لتمرير رسالة الغليان إلى الشارع.
ولم يعد خافيًا أن خامنئي -ومعه حرس الثورة- منحاز إلى نجاد من قبل بدء الحملة الانتخابية وفي أثنائها وبعد انتهائها، بالرغم من الحديث الواسع عما شابها من تزوير وانتهاكات لقواعد النزاهة والشفافية؛ ولذلك سارع خامنئي إلى اعتماد فوز نجاد المشكَّك فيه على الأقل من ثلث الناخبين في إيران، ليقطع الطريق على المناوئين للنظام حتى لا يدخلوا على الخط للمساس بصورته الطاووسية "المعصومة" بحسب عقائد الصفوية. ومن هنا انهالت الاتهامات بالعمالة للغرب على موسوي الذي يعدّ من رموز النظام ومن أبنائه الذين قدموا له الكثير ولا سيما في فترة البدايات القلقة ثم في حقبة الحرب على العراق!! ولعل مما يؤكد عمق التصدع اليوم، تطاول نجاد على رفسنجاني الذي تسربت شائعة عن اعتزامه الاستقالة من تشخيص مصلحة النظام، وهو تعبير غير مباشر عن سخطه على صمت خامنئي الذي سمح لنجاد بالتشهير بواحد من أهم أعمدة نظام الملالي منذ قيامه حتى الآن!!
وربما كان النقد الذي وجهه "آية الله يوسف صانعي" إلى خامنئي من أبرز الشواهد على عمق الانقسام في إيران حتى في المؤسسة الكهنوتية، و"صانعي" من تلامذة خميني وممن شغلوا مواقع مهمة في السنوات الأولى للنظام.
فما أسباب النقمة الشعبية العريضة في بلد تمسك بخناقه فئة رجال الدين المعززة بالهيمنة على الإعلام والجيش والمال، وبخاصة أن 60% من مواطني إيران اليوم هم من الشباب المولودين بعد ثورة خميني؟
من الواضح أن تخدير الناس بخرافة صاحب الزمان وتوجيه أحقادهم ضد المسلمين في العالم وإشغالهم بأكذوبة العداء للشيطان الأكبر، كلها باتت أعجز من طمس الواقع المتردي، ولا سيما في الميدان الاقتصادي؛ حيث يعاني المجتمع من الفقر المدقع في بلد نفطي ثري، فالبطالة أصبحت 12% والتضخم25%، وهنالك 5 ملايين شخص تحت خط الفقر (تؤكد مصادر غير رسمية أن 43% من السكان فقراء!!). ومما يفجر المشاعر المكبوتة إغداق الأموال في الخارج لخدمة النظام (حزب حسن نصر الله في لبنان وهو ما قوبل بنقد علني صريح مؤخرًا لأول مرة).
بل إن النظام الذي يرفع شعارات العدالة رسّخ التمايز الطبقي الشديد بين شمال طهران وجنوبها، فاضطر رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف إلى الاعتراف بذلك في خطبة صلاة الجمعة بطهران "إن كل شيء في شمال طهران يختلف عن جنوبها". وأضاف: "مثلما تنشر الثقافة والحضارات والرفاهية في شمالها ففي الجنوب ابتلي أهلنا هناك بالمرض والفقر والبطالة".
ويعدّ معدل الإدمان على المخدرات في إيران من أعلى المعدلات في المنطقة وذلك حسب تقديرات نشرتها منظمة اليونيسيف من خلال موقعها عبر الإنترنت، فإضافة إلى آثاره الاجتماعية والاقتصادية، أصبح الإدمان على المخدرات عاملاً أساسيًّا يسهم في الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب ومرض الإيدز.
وتعتقد باحثة إيرانية "أن الخيرات الكبرى في إيران لا تتوزع بالعدالة على المواطنين، وأن الحكومة -ورغم شعاراتها البرّاقة بالقضاء على لوبي الفساد واللصوص- وقعت في فخ اللصوص". وقالت: "إن فقراءنا ينامون على كنوز الذهب لكن بطونهم غير ممتلئة بالخبز واللحم؛ لأن تلك الكنوز قد أُسِيء استخدامها من قِبل السياسيين".
هذا مع أن كل ما سلف يعدّ تفاصيل إذا نظرنا إلى الظلم الفادح الذي يُوقعه النظام بشراسة على ملايين أهل السُّنة بل على بعض الشيعة بتأثير العنصريّة المقيتة (عرب الأحواز أشهر الأمثلة).
قد يتمكن النظام الصفوي من احتواء هياج البركان الشعبي الراهن بما يملكه من قدرة على البطش فعليًّا ومن تغطية لها دينيًّا، لكن أهمية ما جرى تتمثل في جرأته على تجاوز خطوط حمراء عديدة كان تجاوزها مستحيلاً قبل شهور فحسب.
المصدر: موقع المسلم 14 يونيو 2009م.
التعليقات
إرسال تعليقك