قضية القدس والمسجد الأقصى هي القضية الكاشفة والفاضحة لأفعال الكثير من الناس، فما هو دور العلماء والدعاة والمساجد والمراكز في دعم القدس؟
ملخص المقال
كيف نواجه الروم من جديد مقال بقلم د. إبراهيم زيد الكيلاني، يعرض فيه أصناف الناس في المقاومة مع دروس وعبر من تاريخ الصحابة
في الحديث عن رسول الله r: "لا تقوم الساعة حتى تغزو الروم الأعماق، فيخرج لهم جيش من المدينة، فيهزم الثلث هم شر أهل الأرض، لا يقبل الله منهم صرفًا ولا عدلاً، ويقتل الثلث هم خيرة الشهداء عند الله، وينتصر الثلث هم خيرة أهل الأرض يومئذ"[1].
ونجد في هذا الحديث أصناف الناس في المقاومة وهم:
1- المنهزمون -شر أهل الأرض- وهؤلاء هم الذين ينفِّذون إملاءات (بوش) ومخططاته في التنازل عن أرض الوطن في فلسطين والعراق، والتمكين للعدو الصهيوني والتطبيع معه والاعتراف به. وكذلك ينفذون مخططاته باحتلال (هوية الأمة)، والعمل على تغيير المناهج والكتب المدرسية؛ لينشأ جيل لا ينتمي للغته العربية ولا تاريخه الإسلامي، ولا تراثه ولا حضارته، مفتونًا بالغرب وقيمه ولغته وأخلاقه.
2- المقاومون الذين يكشفون مخططات العدو الصليبي من العلماء ورجال الفكر، والذين يقاومون احتلاله للأرض، ونهبه لخيرات الوطن وبتروله وثرواته؛ فيتعرضون للقتل والسجن والتعذيب.
3- المقاومة المنتصرة الصابرة، والبقية الباقية من هذه الأمة الملتفة حول قيادة رسول الله r التي لا تفرط في دينها وكتاب ربها وسنة نبيها r، ولا تفرط في مقاومة الروم، ووكلاء الروم وعبيدهم الذين ينفذون مخططاتهم ويخدعون الأمة ويقهرونها.
وقد بشَّر رسول الله r أهل المدينة المنورة وأهل فلسطين وبلاد الشام بأنهم الطائفة المنتصرة القائمة بالحق المنتصرة له: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى قيام الساعة. قالوا: يا رسول الله، أين هم؟ قال: ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس". وهي شاملة للأردن وسوريا ولبنان، ممتدة إلى مصر والعراق.
والدارس لتاريخ الصحابة y يجد المقاومة للروم بالجهاد الصادق والتضحية بالنفس والمال، وكذلك نجد شعلة الجهاد الملتهبة تبعث العزيمة وتطرد اليأس.
على أرض الأردن دروس البطولة والمقاومة:
1- فروة الجذامي:
من هذه الدروس والعبر ما سجّله فروة الجذامي بصدقه وصبره وتضحيته، فقد كان (فروة) عاملاً للروم على من يليهم من العرب، وكان منزله (مَعَان) وما حولها من الطفيلة وجنوب الأردن، وكانت وظيفة العربي العامل للروم حراسة أمن الدولة الرومانية العسكري والثقافي، كوظيفة أكثر الحكام في هذا الزمن.
وكانت المفاجأة للروم إسلام (فروة)، وكان قد بعث رسولاً بإسلامه إلى رسول الله r، وأهدى له بغلة بيضاء. فلما بلغ الروم ذلك طلبوه، وحبسوه عندهم، وقال في سجنه أبياتًا من الشعر منها:
ولئن هلكت لتفقدُن أخـاكم *** ولئـن بقيـت لتعرفن مكاني
ولقد جمعت أجلّ ما جمع الفتى *** من جـودة وشجـاعة وبيان
فلما أجمعت الروم لصلبه على ماء (عفرا) -قرب مدينة الطفيلة- قال:
ألا هل أتى سلمى بأن حليلها *** على ماء عفرا فوق إحدى الرواحل
ولما قدموه ليقتلوه قال:
بلّغ سُـراة المسلمين بأننـي *** سَلْمٌ لربّي أعظمـي ومقامـي
وهنا نجد هذا البطل الشهيد يعطي درسًا للمفتونين بالرتب والمناصب في موالاة الظالمين، وكيف ضحّى بعمله "واليًا وعاملاً للروم" وأعلن إسلامه، واستقبل الشهادة في سبيل الله نصرة لدين الله.
2- درس من مؤتة:
بعث رسول الله r ثلاثة آلاف من الصحابة ليثأروا لمقتل الحارث بن عمير الأزدي الذي قتله شرحبيل بن عمرو الغساني، وأمَّر زيدَ بن حارثة على الجيش وقال: "إن قُتِل فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن قتل فعبد الله بن رواحة". فلما نزلوا (معان) بلغهم أن (هرقل) قد نزل (مؤاب) في مئة ألف من الروم، وانضم إليهم مائة ألف من القبائل العربية الموالية للروم، فلما بلغ المسلمين ذلك قالوا: نكتب إلى رسول الله نخبره بعدد عدونا، فشجعهم عبد الله بن رواحة، وقال: "والله يا قوم، إن الذي تكرهونه للذي خرجتم له تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلِقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظفر وإما شهادة".
فتعبأ الناس، ثم اقتتلوا والراية في يد زيد بن حارثة، فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم وخرَّ صريعًا، وأخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها ثم قاتل -وكان أول من عقر فرسه في الإسلام عند القتال- فقطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره، فاحتضن الراية حتى قتل وله ثلاث وثلاثون سنة، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فتقدم بها وهو على فرسه فجعل يقول:
يا نفـس إلاّ تُقتلي تموتي *** هذا حمام الموت قد صُليـت
وما تمنيتِ فقد أعطيـت *** إن تفعلـي فعلهمـا هديت
يريد صاحبيه زيدًا وجعفر، ثم قاتل t حتى قتل. ثم اصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم وقام بانسحاب موفق، وحفظ على المسلمين قوتهم، وحرم الروم من النصر، وكانت الهزيمة على الروم.
درس من حنين:
كان من صحابة النبي r الذين شهدوا غزوة حنين الصحابي الجليل حارثة بن النعمان. ولهذا الصحابي صفحات مشرقة مع رسول الله r. قال ابن الأثير: شهد بدرًا والمَشَاهد، وكان ديِّنًا خيِّرًا بَرًّا بأمه.
ومن إكرام الله له أن رأى جبريل بعد غزوة حنين وهو يُكلم رسول الله r بصور: دحية الكلبي. يقول حارثة: مررت بهما ولم أُسلِّم، فقال جبريل: من هذا يا محمد؟ قال: حارثة بن النعمان. فقال جبريل: أما إنه من المائة الصابرة يوم حنين الذين تكفل الله بأرزاقهم في الجنة، ولو سلَّم لرددنا عليه.
تعقيب:
إن المائة الصابرة في حنين كانت ناصرة للنبي r في ساعات الخطر، بعد أن فوجئ المسلمون بهجوم هوازن، وهزيمة أكثر الجيش التي ذكرها الله في كتابه {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25].
فهل ترغب -أيها المسلم- أن تكون مع المائة الصابرة وقد اجتمعت الروم وحلفاؤهم ووكلاؤهم على حرب هذا الدين؟! نسأل الله الثبات والعون.
ولا تنس إخوانك في مؤتة واليرموك الذين سقوا هذه الأرض المباركة بدمائهم الزكية، وطهَّروها من رجس الروم، ورفعوا راية الإسلام.
ها هم الروم يعودون من جديد إلى العراق وفلسطين والصومال، ويسعون لإحكام الطوق للقضاء على المقاومة وجرّ حكام العرب للاعتراف بـ(إسرائيل)، وتحريم الجهاد، وتنفيذ مخططات الروم السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية.
ومن إكرام الله لحارثة بن النعمان أنه كانت له منازل قرب منازل النبي r، وكان كلما أحدث رسول الله أهلاً تحوَّل له حارثة عن منزل، حتى قال: "لقد استحييت من حارثة؛ لما يتحول لنا عن منازله".
وهو الذي يقول فيه رسول الله r: "دخلت الجنة فسمعت قراءته، فقلت: من هذا؟ قيل: حارثة". فقال النبي r: "كذاكم البر". وكان بَرًّا بأمه t.
بركة الجهاد والوحدة:
عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله r، فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله، لعملنا، فأنزل الله: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 1-4]. قال: فقرأها علينا رسول الله r حتى ختمها.
ونقف مع هذه السورة والروم غزتنا وتسعى لهدم معالم الهوية الإسلامية، لنجد الدروس التالية:
1- إزالة التناقض بين القول والعمل، أو بين المظهر والمخبر، فكثيرون من المسلمين يقولون ما لا يفعلون، وحياتهم وطريقة عيشهم تخالف أحكام دينهم: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]؟!
2- العمل بالتنظيم الجماعي؛ لأن عدونا ووكلاءه في بلاد المسلمين يحكمون سيطرتهم من خلال تفريق الأمة إلى شيع وأحزاب، ويقطِّعون الأمة بالصوت الواحد، ويحرِّمون على الناس أن يعملوا من خلال التنظيمات الجماعية المشروعة؛ لأن أخوف ما يخيفهم البنيان المرصوص لنصرة الإسلام. إن الحجر المُلقى على الأرض يحمله أي رجل، لكن الحجر المثبت في جدار يصعب أن تزيله عن مكانه.
3- الجهاد والمقاومة من أعظم فرائض الدين وأركانه، وقد استجابت الحكومات لإملاءات العدو الأمريكي الصهيوني بمنع الجهاد والمقاومة في فلسطين والعراق، ومحاكمة المجاهدين؛ مما أغرى العدو بإحكام قبضته على القدس والمسجد الأقصى المبارك، وطالب حكام (السلطة) والعرب بالتنازل عن القدس وعن حق العودة، وأمعن في حصار أهلنا في غزة، وفرض على الحكام الذين لم يعترفوا بـ(إسرائيل) أن يحضروا مؤتمر (أنابوليس) في أمريكا ليقدموا لـ(إسرائيل) الاعتراف والأمان والمكافأة، وقد بدأت بتنفيذ مخططها لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
4- وفي السورة بيان للمواجهة العقائدية والحضارية مع الروم واليهود وذكر إيذائهم لأنبيائهم، وشهادة موسى وعيسى -عليهما الصلاة والسلام- بنبوة محمد r. قال تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 5، 6].
5- وتدعونا السورة في خاتمتها للجهاد ونصرة هذا الدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10، 11]. والمتدبر لهذه الآيات يجد أن العذاب الأليم الذي أوقعه بنا الروم في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال ولبنان لا يزيله إلا الجهاد والمقاومة، وأن نجند أنفسنا في خندق رسول الله r، وأن نزيل غشاء الخداع عن عيوننا والخوف عن قلوبنا، ونستجيب لنداء النبي الكريم: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14]؟!
6- حين يشتد الخطب ويعظم الخطر يصرخ النبي بالمؤمنين: "من أنصاري إلى الله"؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [الصف: 14].
وإذا نصر أهلُ بدر ومؤتة واليرموك رسولَ الله r؛ فما أجدر المؤمنين أن يسيروا على طريقهم وقد دخل الروم (الأعماق)، وجنَّدوا الكبار والصغار، وقاموا بعمليات الخداع وخطف الأبصار، عن طريق التزوير والإعلام الخادع، يزوِّرون الوطن، وإرادة الأمة: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 46، 47].
المصدر: موقع مجلة الفرقان.
التعليقات
إرسال تعليقك