تاريخ المغرب قبل المرابطين، مقال د. راغب السرجاني، يتناول تاريخ المغرب قبل دعوة المرابطين، ودعوة يحيى بن إبراهيم الجدالي للشيخ عبد الله بن ياسين لقبائل صنهاجة
ملخص المقال
دولة المرابطين في الأندلس، مقال د. راغب السرجاني، يتناول دخول يوسف بن تاشفين الأندلس وضمها لدولة المرابطين في المغرب وأخذه فتاوى الغزالي وابن عربي والطرطوشي
الصراع في الأندلس
ظلَّ الصراع بين المسلمين والنصارى قائمًا بعد الزلاقة، بل لقد كثر عيث النصارى في بلاد المسلمين، وتخريبهم لها، ولم يستطع حكام الطوائف فعل شيء، بل وصلت الأحوال إلى أن سقطت بلنسية –وهي حاضرة الشرق الأندلسي، ومن أبرز حواضر الأندلس كلها- في يد النصارى.
العبور الثاني ليوسف بن تاشفين
لم تنته الصراعات بين ملوك الطوائف وما نفَّذوا وصية يوسف بن تاشفين لهم بالاتحاد؛ فاستغاث الناس بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين للمرة الثانية، وكذلك فعل المعتمد بن عباد-أيضًا- فمن أجل ذلك كان الجواز الثاني ليوسف بن تاشفين إلى أرض الأندلس.
العبور الثالث ليوسف بن تاشفين
ويتكرر ما حدث في العبور الأول إذ يقوم المرابطون بنصرة الأندلسيين وهزيمة النصارى في أكثر من موقعة، إلا أنه وفي أثناء حصار حصن لبيط (Aledo) في سنة (481هـ=1088م)، رأى من خداع أمراء الطوائف وشهد عندئذٍ من تمردهم ونفاقهم، وجنوحهم إلى ممالأة النصارى ما أغضبه وأحفظه عليهم، ثم تكررت هذه الأحوال للمرة الثالثة، فعبر ابن تاشفين مرة ثالثة إلى الأندلس في عام (483هـ=1090م)، فجهز جيوشه ودخل إلى الأندلس.
والواقع يقول أن يوسف بن تاشفين لم يطمع في الأندلس، وتردَّد كثيرًا قبل العبور، وعفَّ عن الغنائم بعد ذلك وتركها للمعتمد ولأمراء الأندلس ولم يأخذ منها شيئًا، ثم يعود في الجواز الثاني بسبب اختلافات ملوك الطوائف، وتحالف بعضهم مع عدوِّ الإسلام، وكان الجواز الثالث لوضع حدٍّ لمهزلة ملوك الطوائف، لقد آن -وباسم الإسلام- لهذه الدويلات الضعيفة المتناحرة المتحالف بعضها مع الأعداء أن تنتهي[1].
منذ أن انتهى يوسف بن تاشفين من الجهاد في المرة الثانية، ثبت له بقاء حال أمراء الطوائف على ما هم عليه من تفرُّق وتخاذل، واستعداء للنصارى، وكيف تخلَّف بعضهم عن مشاركته في الجهاد مجاملة للمشركين، بل لَمَّا قام بحصار النصارى -عَقِبَ جوازه الثاني في حصن لبيط- تخلَّف بعض رؤساء الشرق عن معاونته، وقالوا: إنَّ طاعته ليست بواجبة؛ لأنه ليس إمامًا شرعيًّا من قريش. وأبشع من ذلك وأشنع أن رسالة قد وقعت في يد يوسف وُجِّهت من بعض ملوك الطوائف إلى العدو، يُشَجِّعه على المقاومة والصمود، وكان جواب يوسف لأولئك الزعماء المتمرِّدِينَ، أنه خادم أمير المؤمنين المستظهر، وأن الخطبة تجري باسمه على أكثر من ألفي منبر، وتُضْرَب السكة باسمه[2].
فتوى الفقهاء لابن تاشفين
ورغم دلائل الولاء هذه للخليفة في بغداد، إلا أن مَنْ لا ولاء لهم ولا انتماء من ملوك الطوائف تمسَّحوا الآن في الشرع، الذي ينتهكونه منذ حكموا حتى أذلوا المسلمين وبلادهم، ووضعوها في يد النصارى، وبذلوا لهم الأموال والهدايا، وتحالفوا معهم على إخوانهم المسلمين.
عندئذٍ اعتزم يوسف بن تاشفين أمره في افتتاح ممالك الطوائف، وأخذ يستولي عليها تباعًا، وأرسل إلى بغداد طلبًا للخليفة ليحصل على كتاب منه بتوليته المغرب والأندلس، وكان يهمه -إلى جانب الحصول على المرسوم الخلافي- أن يحصل على سند شرعي يُبَرِّر تصرُّفه نحو أولئك الأمراء، فلما وصل الفقيه أبو محمد العربي وولده أبو بكر بن العربي إلى بغداد، لقي الإمام أبا حامد الغزالي قطب فقهاء المشرق يومئذٍ، وشرح له أحوال الأندلس، وخلال أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وما اضطلع به من أعمال الجهاد وإعزاز الدين، وما كان عليه أمراء الطوائف من تفرُّق وتخاذل، واستعداء للنصارى، وكيف تخلَّف بعضهم عن مشاركته في الجهاد مجاملة للمشركين. وشرحا له الحال، ثم طلب الفقيه ابن العربي إلى الإمام الغزالي أن يُزَوِّدَه فيما تقدَّم بفتوى تُبَيِّنُ حكم الشرع فيه، وأن يُزَوِّده بكتاب إلى أمير المسلمين، فأفتى الإمام الغزالي بحكم الشرع في موقف ملوك الطوائف، حسبما شرحه ابن العربي للإمام، وعن حقِّ يوسف في الحصول على المرسوم الخلافي بولايته على ما فتحه من الأقطار بسيفه، وقد عاد الإمام الغزالي بعد ذلك، فكتب إلى يوسف كتابًا يعرض فيه بالتفصيل إلى قصة ملوك الطوائف، حسبما رواها له ابن العربي، وإلى ما كانت عليه الأندلس في ظلِّ حكمهم، من التخاذل والذل... ثم يُشير بعد ذلك إلى ما أصدره من فتوى في شأن ملوك الطوائف، وإلى ما كان ابن العربي بصدده من السعي إلى استصدار المرسوم الخلافي بولاية يوسف على جميع بلاد المغرب، وتمكين طاعته، وإلى ما كان يبثُّه ابن العربي من دعاية واسعة للإشادة بحكم يوسف وخلاله؛ سواء في العراق أو في المشاهد الكريمة بأرض الحجاز.
وكذلك حصل ابن العربي من العلامة أبي بكر الطرطوشي -حين مروره على ثغر الإسكندرية، وهو في طريق العودة- على خطاب آخر برسم يوسف، ويُسدي الطرطوشي في كتابه النصح إلى يوسف بأن يحكم بالحق وفقًا لكتاب الله.
وقد توفي الفقيه ابن العربي بثغر الإسكندرية في فاتحة سنة (493هـ)، وعاد ابنه أبو بكر إلى الأندلس في العام نفسه، وهو يحمل الرسالتين- رسالة الغزالي ورسالة الطرطوشي- وكذلك مرسوم الخليفة المستظهر إلى عاهل المرابطين[3].
<a ><a >دولة المرابطين على المغرب والأندلس
لم يكن دخول يوسف بن تاشفين الأندلس أمرًا سهلاً، فقد حاربه الأمراء هناك بما فيهم المعتمد بن عباد، ذلك الرجل الذي لم يجد العزَّة إلاَّ تحت راية يوسف بن تاشفين –رحمه الله- قبل وبعد الزلاقة، قام المعتمد على الله بمحاربته وأنَّى له أن يحارب مثله!
استعرت نار الحرب بين المرابطين وملوك الطوائف، وانتهت بضمِّ كل ممالك الأندلس إلى دولة المرابطين، واستطاع أن يضمَّها إلى بلاد المسلمين، وقد أصبح يوسف بن تاشفين الآن أميرًا على دولة تملك من شمال الأندلس وبالقرب من فرنسا وحتى وسط إفريقيا، دولة واحدة اسمها دولة المرابطين.
وفاة يوسف بن تاشفين
ولقد ظلَّ هذا الشيخ الكبير يحكم حتى سنة (500هـ=1106م)، وكان قد بلغ من الكبر عتيًّا، وتوفي –رحمه الله- بعد حياة حافلة بالجهاد، وقد وفَّى تمام المائة[4]؛ منها سبع وأربعون سنة في الحكم، وكان تمام ستين سنة على ميلاد دولة المرابطين، تلك التي أصبحت من أقوى دول العالم في ذلك الزمان.
[1] شوقي أبو خليل: الزلاقة، ص64، 65.
[2] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 4/41-44.
[3] انظر: ابن الأثير: الكامل، 8/447، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/187، 188، والمقري: نفح الطيب، 4/373، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 4/41-44.
[4] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 4/45، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص156.
التعليقات
إرسال تعليقك