بدأ ابن باديس إصلاحه سهلا لينا وانتهى صارما ممتنعا على نحو لم يفطن له المستعمر أول الأمر، إنه الرجل السهل الممتنع
ملخص المقال
الغرب مبادئه ومصالحه مقال بقلم د. محمد العبدة، يبين سر تناقض الغرب بين الاعتراف بالائتلاف السوري ومشروع الإبراهيمي.. فما حقيقة الغرب؟ وكيف يفكر الغرب؟
بعد أن اعترف الغرب بالائتلاف الوطني السوري كممثل للشعب السوري، وهذا يعنى ضمنًا عدم الاعتراف بنظام بشار الأسد، فُوجئ الناس بالمشروع الذي حمله الإبراهيمي وهو بقاء بشار في السلطة وتشكيل حكومة مشتركة بين المعارضة (معارضة الداخل) القريبة من النظام وبين شخصيات من النظام، وقيل في الإعلام إنه مشروع أمريكي - روسي.
وزيادة على هذا التناقض الصارخ في السياسة المعلنة كانت أوربا وأمريكا لا تكفان عن القول إنهم لن يتدخلوا عسكريًّا لصالح الثورة، وأيضًا لن يدعموا الثورة بأسلحة نوعية لإنهاء الوضع المأساوي، وإنهاء المجازر التي ترتكب يوميًّا تحت سمع العالم وبصره!
والحقيقة هي أنه يجب أن نكفّ عن الثقة بالغرب ونكف عن المطالبة بالمساعدة؛ لأنّ الغرب يفكر تفكيرًا مغايرًا.
يبدو لي أننا لم نتفهم الغرب حق الفهم، ونعلم أنه لا يفكر من ناحية المصالح فقط كما يتردد عند كثير من الكُتّاب أو ممن يسمون أنفسهم محللين سياسيين (وما أكثرهم في هذه الأيام!)، بل لأنّ الغرب ينتهج سياسة مدروسة، فيها مصالحه وفيها أيضًا أفكاره ومبادئه التي يسعى لفرضها أو للتشويش على المبادئ المخالفة له.
سأضرب مثالين من الحديث والقديم لنرى كيف يفكر الغرب، يوضح صاحب كتاب (الشرق والغرب.. الشرخ الأسطوري) ما قام به الغرب أثناء الاستعمار وبعد رحيله، حيث لم يطمئن إلى الذين يتحدثون بلغة أوربا نفسها؛ أي لغة الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير، بل اختارت إحياء المشاعر العرقية والطائفية التي جرى توطيدها ومؤسستها على الصعيد السياسي.
أليس هذا التفكير السياسي المبنيّ على دعم الأقليات على حساب الأكثرية هو الذي طُبِّق في العراق، وهو الذي يُطبق في سوريا؟
فأمريكا تتحدث دائمًا عن الأقليات، وتبدي قلقها، والمقصود الطائفة العلوية بالذات، وتقرير الأمم المتحدة الأخير حول الصراع في سوريا يتحدث عن صراع طائفي، وهذا غير صحيح؛ لأن أهل السنة لم يدمروا القرى النصيرية، بينما النظام يدمِّر سوريا كلها، والغرب يرى هذا ويعرفه، ولكن التقرير ينبِّه لحماية الطائفة.
وأما المثال القديم الذي يمثل العقلية الأوربية وكيف يتعاملون مع الشعوب الأخرى، فهو ما جرى بين روما ومدينة قرطاجة من صراع وحروب، وكانت قرطاجة من أغنى وأجمل المدن في ذاك العصر. أرسلت روما مندوبها (قنصلها) إلى قرطاجة، وتحدث هذا القنصل عن فوائد السلم وفظائع الحرب، وقال لأهل قرطاجة: ألقوا سلاحكم وسلموها، فستأخذ روما على عاتقها أمر حمايتكم. فأجابوه إلى طلبه، ثم قال لهم: سلموني سفنكم الحربية، فهي كثيرة النفقة ولا فائدة منها بعد أن تعهدت روما بالدفاع عنكم ضد أعدائكم. ففعل المسالمون ما أشار به، وحينئذ قال لهم: شكرًا على تنازلكم، ولم يبق إلا أن تقوموا بتضحية أخرى، وهي أن روما دفعًا لكل عصيان أمرتني أن أهدم قرطاجة، وروما تسمح لكم بالإقامة في أي مكان تختارونه. هنا أدرك أهل قرطاجة أخطار المذهب السلمي. وسواء كانت هذه الرواية دقيقة أم هي رمزية، ولكنها تمثل تمامًا طريقة الغرب.
الغرب لا يريد المساعدة الحقيقية، وهذا واضح، والغرب يدندن كثيرًا حول حماية الأقليات، والسبب أيضًا معروف، والغرب يخشى أن يسقط النظام فجأة والقوة على الأرض هي القوة الإسلامية، وهذا ليس في صالحه كما يزين له شياطين الإنس..
إذن ما الواجب علينا إزاء هذه التحديات الهائلة؟
الواجب هو المزيد من التوحُّد بين الفصائل المجاهدة الثائرة، والمزيد من التعاون بين الفصائل السياسية، على أن يكون تعاونًا صادقًا مخلصًا، والمزيد من الدعم المالي والإغاثي للثورة وللشعب المحاصر المنكوب، وأركز على هذا الدعم؛ ليزيد في صمود هذا الشعب البطل.
عارض الائتلاف الوطني مشروع الإبراهيمي ولم يقبل به، ولكن هذا لا يكفي، بل يجب عليه أن يحاصر هذا المشروع وأمثاله، ويبيِّن ما به من خلل وعوار، وأنه يتعارض مع بدهيات مطالب الشعب السوري، ويتعارض مع اعتراف أصدقاء سوريا بالائتلاف، بل يتعارض مع المبادئ الإنسانية. وفي المقابل يجب أن يطرح المشروع الصحيح الذي يحقق طموحات الشعب السوري.
المصدر: صحيفة المصريون.
التعليقات
إرسال تعليقك