دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله عز وجل لجميع البشر منذ أن خلق آدم إلى أن تقوم الساعة.. فما بعض محاسن هذا الدين العظيم؟
ملخص المقال
دعوة الإسلام للتعايش إحدى دلائل عظمة هذا الدين وعظمة من بلغه للناس كافة.. فكيف دعا الإسلام للتعايش؟ وكيف نطبق تعاليمه في هذا الشأن؟
«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»؛ ما أعظم هذا الدين الذي بُعث به رسول الإسلام محمّد صلى الله عليه وسلم، هذا الدين الذي أرسى مبادئ وقيم إذا ما تم تطبيقها ستكون نهاية للصراعات، وبداية للبناء الحقيقي الذي يحتاجه العالم بأسره، فإن هذه الدعوة قد تجلّت في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين المعاملة»، فإنه أراد أن يقوم أن قوام الحياة التي يبتغيها الله لأتباع دينه وعبيده هي في معاملتهم، وقد بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه فمنها قوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»، ووصيته في حق الجار؛ حيث قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، ودعوة الإسلام للحبّ بين أفراده؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، ودعواه للترابط بين شتّى فئات المجتمع وإن اختلفت العقيدة؛ حيث يقول عز وجل: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8]؛ وغير ذلك من أخلاق قيّمة في شأنها تغيير ما نحن فيه فمنها الإيثار الذي وصف الله عز وجل أهله قائلاً: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]، وغيرها وغيرها من الأخلاق التي نزل بها رسول الله وكانت سببًا رئيسيًّا في انتشار الإسلام إلى أقصى بلاد العالم في جنوب شرق آسيا، وإلى أوروبا في الأندلس التي كانت منارة العالم الغربي في عصر الجهل الذي كان سائدًا حينها في أوروبا، وكانت الرسالة تصل عن طريق التجار المسلمين التي ظهرت أخلاقهم من خلال الأمانة والصدق وعدم بخس الأسعار فكانت هذه التعاملات هي خير دليل على عظمة هذا الدين الذي يحمله هؤلاء العظماء الذين تربوا على يد محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن وا أسفاه على حالنا في هذه الأيام؛ حيث يُروى أن أمريكيًّا في دوري السلة للمحترفين قال إنه يريد أن يعلن إسلامه واختار إحدى الدول العربية ليعلن فيها إسلامه؛ ولكنه بعدما جاء ووجد تعامل المسلمين وخلقهم رحل ورفض دخول الإسلام معللاً أنه إن كانت هذه أخلاق المسلمين فإنه لا يرغب بدخول هذا الدين.
نعم فهذه أصبحت أخلاقنا، نسينا مبادئنا وقيمنا وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من أخلاق، فهاهم التجار يبخسون الأثمان، ويتلاعبون بالأسعار، ولا يصدقون شيئًا ويحتكرون البضائع، وها هم الناس يجلسون سويًّا وهم يٌكِنّون لبعضهم مشاعر الكراهية والحقد، ويغتابون البعض وينتهكون حرماتهم، والإخوة يخسرون بعضهم على الميراث الذي أصبح مطمعًا وتجارة لا دينًا نزل من فوق سبع سماوات، فتجد النساء لا تأخذ حقوقها مما يجعل الفرقة تسود بين الأشقّاء، وها هم الأزواج الذين لا يحسنون إلى زوجاتهم ولا يقدروهنّ ولا يتقون الله فيهنّ، والزوجات اللاتي لا يحسنّ إلى أزواجهنّ، والآباء الذين لا يحسنون إلى أبنائهم، والأبناء العاقّون الذين نسمع عنهم ليلاً ونهارًا؛ يضربون آبائهم وأمهاتهم، أو يضعوهم في مصحات بلا رفق ولا رحمة، وها هي معاملات الجيران المليئة بالمشاحنات لأبسط الأسباب، ولا يحترمون ويقدّرون بعضهم البعض، بل إن هناك مناطق لا يعرف الجيران بعضهم فالكل منغلق على نفسه لا يرى إلا مصلحته ونفسه فقط، ولا أحدثك على الظلم الذي استفحل وانتشر إلى أن أصبح عاده متأصلة في مجتمعنا.
أليست هذه الحقيقة، فالعلاقات مخرّبة، والبيوت تملأها المشاكل، ولا يعرف أحدٌ معنى السعادة الحقيقية، ولكن السؤال هنا لماذا اصبحت حياتنا كذلك؟
والإجابة من وجهة نظري تكمن في:
1- غياب الله تبارك وتعالى في معاملاتنا، فأصبح الكل يعامل البشر ولا يعامل الله {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19].
2- التكالب على الدنيا وعدم الرضا، وغياب التوكل على الله في كل شيء، وظنّ الكثيرون أنّ أرزقاهم بيد أشخاص بعينهم، وانتشار الغيرة والحسد التي لا تمت لإسلامنا في شيء.
ولذلك حينما سئل الإمام الحسن البصري الذي كان يمتاز بهدوء طباعه وسكونه، ودائمًا ما يُرى حامدًا شاكرًا على العلم بأن زوجته كانت تقسو عليه كثيرًا، وكان يُقال عنها إنّها سليطة اللسان، ولكنّه لم يحمل همًّا أو عناء، فسأله أهله يا إمام ما لنا نراك ساكنًا، فقال: لأمورٍ أربعٍ وهم إن تحققوا في شخص وجد حلاوة الدنيا:
- علمت أنّ رزقي لن يأخذه غيري فاطمئن قلبي.
- علمت أنّ عملي لن يقوم به غيري فاجتهدت فيه.
- علمت أنّ الموت ينتظرني فأعددت الزاد والزواد لهذا اليوم.
- علمت أنّ الله مطّلع عليّ في كل حين فخشيت أن يراني على معصية.
هذه هي أخلاق التابعين التي توراثوها من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي علّمت العالم معنى الإنسانية والرحمة الحقيقية فقد تجلّت في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه حين قال: «إذا فتح الله عليكم أرضًا فلا تقتلوا شيخًا ولا امرأة ولا طفلاً ولا تقطعوا نخلاً..»، فكانت هذه هي الدعوة دعوة الحياة والنماء والألفة، التي بثها محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه.
وقد ظهرت هذه الدعوة متكاملة في القصة التي رواها سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب –رضيَ الله عنهما- حين قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا: «سيخرج عليكم رجلٌ من أهل الجنّة»، فخرج علينا رجل متوضئ تبللت لحيته، ثمّ يأتي اليوم الثاني ليقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيخرج عليكم رجلٌ من أهل الجنّة» فيخرج نفس الرجل، ويتكرر الأمر في اليوم الثالث فيذهب عبد الله إلى الرجل ويخبره أنه اختلف مع والده وأنه يريد أن يستضاف ثلاثة أيام فقد كان يريد أن يعرف ماذا يصنع هذا الرجل فوجده لا يقصر في الفرائض فقط ولكنه لم يجده يزيد في شيء، فأوقف الرجل وأخبره بالحقيقة وقال له ماذا تصنع؟ فقال الرجل: إنّك رأيتني لا أصنع من الأمر الكثير، سوى إنّي أنام على فراشي لا أحمل لأحد كرهًل أو بغضًا أو حسدًا.
سبحان الله إنها حقيقة دعوة الإسلام للتعايش والألفة فمفتاح دخول الجنّة يكمن في صفاء القلوب وحسن المعاملة والرضا بالمكتوب.
فهذه كانت دعوة الإسلام الذي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الأخلاق التي كان إن توسّمها فيه أحد دخل الإسلام لأنه لا يجدها في بشر لا قبله ولن تأتي في أحدٍ بعده، ولكنّنا إن طبقنا حرفيًّا ما جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم فإنّنا حقًّا سنكون مجتمع متكامل يسعى فيه الكل لإرضاء الله ويجعله أمام عينه في كلّ المعاملات فلا يُظلم أحد ولا يكره أحد ولا يُقهَر فنكون بذلك طبقنا دعوة الإسلام الحقيقية في الحب الذي يضمن البناء والترابط.
وأخيرًا أذكر قصّة الأعرابي الذي ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: متى الساعة يا رسول الله؟ فقال له صلّى الله عليه وسلم: «وماذا أعددت لها»، فقال الأعرابي: «ما أعددت لها من كثير عملٍ سوى أنّي أحبُّ الله ورسوله» فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشر فأنت مع من تحب يوم القيامة».
فهذا هو الحب الذي زرعه محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه فكانوا نسيجًا واحدًا، وصنعوا مجدًا حقيقيًّا لا زلنا نعيش على ذكراه إلى يومنا هذا فلنتعلم ولو قليل عن حقيقة إسلامنا وعظمته ولنطبقه في معاملتنا التي سترضي الله ويرضى بها الناس لنصنع مجتمعًا متآخي مترابط ونعيد أمجادهم التي افتقدناها كثيرًا.
التعليقات
إرسال تعليقك